لا شك أن جامعة أبي بكر الإسلامية بمدينة كراتشي تحتل مكاناً شامخاً ، ليس من حيث المكان ، ولكن بما وقفت نفسها عليه من حمل الأمانة التي أبتِ السموات والأرض أن يحملنها ، فعمِلت من سنين عديدة على نشر علوم القرآن الكريم والسنة المطهرة ، فهي إحدى الصروح العلمية المتينة التي تُعِدُ فتياناً لحمل الأمانة والسعي بها بين الناس ، وترتكز في ذلك على إرث الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح.
ومن هذا المنطلق قد آل أساتذتُها ومجلسُ علماؤها في العمل على اخراج مطبوعة حديثية تعمل على نشر السيرة النبوية المطهرة ، وتتخصص في طرح مواضيعها بما يتناسب مع تطلعات الأجيال الصاعدة والتي تتشوق إلى معرفة سيرة السلف الصالحين ، فاستجابةً إلى نداء الدكتور مقبول المكي – وفقه الله تعالى – من أجل العمل على الكتابة في مجلة السيرة النبوية التي ستصدرها جامعة أبي بكر ، أعمل في هذه المساحة العلمية على الحديث عن سيرة النبي – صلى الله عليه مربياً – عسى الله سبحانه أن يوفقنا لاقتفاء آثارها والعمل بمقتضاها.
لا ريب أن إطلاق اسم المعلم على نبينا – صلى الله عليه وسلم- إنما هو تعليم لأمته ودلالتهم على الخير كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }(الجمعة:2)
وقوله تعالى :” كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ” (البقرة:151)
ومما ورد في السيرة المطهرة من دلالة التعليم والحكمة التي خُص بها الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنه خرج يوماً على أصحابه فوجدهم يقرؤون القرآن ويتعلمون فكان مما قال لهم: وإنما بعثت معلما. سنن ابن ماجه – (1 / 265) رقم (225)
وقال -صلى الله عليه وسلم- : ” إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً وميسراً. صحيح مسلم – (7 / 439) رقم (2703)
ومما ذكره معاوية بن الحكم في وصف النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله: ” ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه. صحيح مسلم – (3 / 140) رقم (836)
وفي رواية أبي داود: ” فما رأيت معلماً قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم . سنن أبي داود – (3 / 115) رقم (796)
لذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم معلمٍ ، حيث نرى في الدراسات التربوية أن أفضل طرق لقياس مستوى المعلم هو تقويمه للطلاب .
ولو اعتمدنا علی هذه الدراسات لتوصلنا إلى أنه -صلى الله عليه وسلم- أعظم مربٍ ومعلم، فعن طلابه وتلاميذه قال الله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (آل عمران:110)
لا ريب أن شمائل النبي وأخلاقه العظيمة من الكثرة بمكان، ونعرض هنا الشمائل التي يحتاج إلیها كل معلمٍ ويود أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء مهمته التعليمية والتربوية، والتي هي على النحو التالي:
أ- الحرص : ” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”( التوبة:128 )
حيث مما جاء من حرصه على صحابته –رضوان الله عليهم أجمعين- قوله: ” يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي . صحيح مسلم – (9 / 348) رقم (3405) سنن أبي داود – (8 / 56) رقم (2484).
ولقد شبّه أيضاً نفسه وصحابته بقوله: ” إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه،فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقتحمون فيه. صحيح مسلم – (11 / 398) رقم (4234).
فانظر – أخي المسلم – كم كان النبي – صلوات الله وسلامه عليه – كان حريصاً على أصحابه مخافة أن لا يكونوا على جادة الطريق ، فكان حرصه أنه يحب لهم الخير ، وذلك بإرشادهم والأخذ بأيديهم إلى سعادتي الدنيا والآخرة. وهذا يدلنا على أننا كمعلمين في هذه المؤسسة التعليمية العريقة ( جامعة أبي بكر الإسلامية ) علينا إعمال السيرة النبوية الشريفة في واقع تعليمنا وتربيتنا لطلابنا ، وأن نكون لهم القدوة الحسنة ، وليس ذلك إلا بالعمل بالشمائل المحمدية وما أكثرها!
نحن نرى في طلابنا صدق التوجه ومطابقة القول بالعمل ولا نشاهد الأسوة الحسنة التي نتمنى أن نراها في طلابنا ، بأن يكونوا متأدبين بما نُذكّرهم به من تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة.
ويجدر بنا هنا أيضاً أن نلفت الأنظار إلى أهمية التفكر في القرآن الكريم ، خاصة في بدء الوحي حينما كان يتنزل على النبي – صلى الله عليه وسلم – فنجد أن النداء الأول الذي انطلق في مكة منذ فجر الرسالة هو: ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ o خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ   o   اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ   o الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ   o عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ o (سورة العلق:۱۔۵)
وهذا النداء أكد الإسلام من خلاله على حقيقة الوجود الذي لا يتم بنيانه, ولا يكتمل صرحه إلا على أساس من العلم والمعرفة, وهو الهدف الأسمى من بعثة النبي – محمد صلي الله عليه وسلم – فقد جاء لهداية الخلق إلي الحق ، وإخراجهم من ظلمات الجهل إلي العلم والمعرفة .
قال تعالي “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ” (الجمعة:2)
ولا عجب إذاً حينما نري النبي الكريم – صلي الله عليه وسلم – يفضل طلب العلم ويحث دائماً عليه , بل ويجعله أفضل من صلاة النافلة,
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – مَرَّ بِمَجْلِسَيْنِ فِي مَسْجِدِهِ . فَقَالَ : كِلاَهُمَا عَلَى خَيْرٍ ، وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ ، أَمَّا هَؤُلاَءِ ، فَيَدْعُونَ اللهَ ، وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ ، وَأَمَّا هَؤُلاَءِ ، فَيَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ وَالْعِلْمَ ، وَيُعَلِّمُونَ الْجَاهِلَ ، فَهُمْ أَفْضَلُ ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا . قَالَ : ثُمَّ جَلَسَ فِيهِمْ. سنن الدارمي – (1 / 389) رقم (357) سنن ابن ماجه – (1 / 265) رقم (225)
ومن دعوته – صلي الله عليه وسلم – وحضه علي العلم والتعليم أنه أمر الجار المتعلم أن يمحو أمية جاره, ويعلمه كما تعلم هو , وجعل ذلك من حقوق الجيران فقال : “ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ,ولا يفطنوهم , ولا يأمرونهم ولا ينهونهم وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتفطنون ؟ والله ليعلمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويفطنونهم ويأمرونهم وينهونهم وليتعلمن قوم من جيرانهم و يتفقهون ويتفطنون ,أو عاجلنهم العقوبة في الدنيا . أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (1/164) كنز العمال (8457) .
حثنا الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – على العلم والتعلم فقد وضع لنا الأسس والمبادئ التي ينبغي أن يسير عليها كل معلم ومرب ومنها : الحرص على الرفق واللين مع ترك التعنت والتشدد وقد قال الرسول صلى الله علية وسلم ” يسرو ولا تعسروا ” وكان صلى الله عليه وسلم المثل والقدوة في ذلك حتى وصفه ربه فقال لقد جاءكم رسول من أنفسكم والمتتبع لسيرته الرسول صلى الله عليه وسلم يرى أنه كان في تعليمه يتبع الأساليب المتنوعة كراهية السأم على المتعلمين فتارة يسأل وتارة يجيب على من سأل , وتارة يضرب الأمثال وأخرى يلمح وطوراً يصرح .
ومن هذه الأساليب التربوية الضرورية التي كان يتبعها الرسول صلى الله علية وسلم
التعليم بالقدوة : فالرسول صلى الله عليه وسلم كان قدوة للبشرية كلها كما قال تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم , وحينما سئلت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت (كان خلقه القران ) فقد كان صلى الله عليه وسلم يمثل التطبيق العملي لآى الذكر الحكيم وهذا ما علمه للصحابة رضوان الله عليهم , عن ابن مسعود قال: \”كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن\” رواه الطبري في تفسيره ، 1/80.
البعد عن التعنت والإملال : لقد كان -صلى الله عليه وسلم- يقتصد في تعليمه وييسر على الناس ، ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله ” كما كان يدفع الملل عن الصحابة ويروح عنهم تارة بالطرفة , وتارة بالأحاجى التي تثير الذهن . وهو بذلك يراعي الحالة النفسية للمتعلم , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ ، كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. أخرجه أحمد (1/377) رقم (3581) صحيح البخاري – (1 / 121) رقم (66).
مراعاة الفروق الفردية: ليس الناس سواسية في الفهم والتعلم, فكل يأخذ من العلم قدر عقله وحسب ما يحتاج إلیه , وهذا ما كان – صلي الله عليه وسلم . يراعيه في تعليم الناس , فتارة يسأ له رجل عن وصية ينتفع بها فيقول له : تقوى الله , ويسأله آخر السؤال نفسه فيقول : لا تغضب ,وثالث يقول له : أمسك عليك لسانك , ورابع يقول له : \”تطعم الطعام وتقرأ السلام علي من عرفت ومن لم تعرف ” فهو يراعي بذلك حالة كل سائل , وما في إمكاناته.
الحوار والمناقشة : وهو أسلوب تربوي ناجح ويثير المتعلم , ويشوقه لفهم المعلومات , فمرة يسأل أصحابه عن حق الجار ,وأخری عن المفلس , أو من المسلم ؟ وكل ذلك لاثارة المتعلمين في قبول المعلومات وفهمها .
وفي هذا لقد ضرب النبي – صلى الله عليه وسلم – أروع الأمثال التعليمية والتربوية ، حتى مع الأطفال ، ولنا أن نتفكر في حديث عبدالله بن عباس الذي كان رديف النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث كان يلاطفه النبي الكريم بألطف العبارات التي فيها ما فيها من الاحترام والاجلال ، حتى في مقام مخاطبته الأطفال حيث كان عبدالله بن عباس – رضى الله عنه – رديف النبي الكريم على حمار ، فحرص على تعليميه وتربيته حتى وإن كان ذلك على ظهر الدابة – صلى الله عليه وسلم – وكم فيها من المعاني التربوية العظيمة التي تدل على تواضعه وعدله بين الكبار والصغار.
حيث خاطبه النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: يا بني إني معلمك كلمات احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله… إلخ الإبانة الكبرى لابن بطة – (4 / 39) رقم (1493) . أيضاً كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم – في مداعبته للصغار كما جاء في حديث عمير – رضى الله عنه – :” يا عمير ما فعل النغير”. شعب الإيمان للبيهقي – (11 / 230) رقم (5015).
ومن تربيته لأزواجه وتعاليمه وعدله بينهن ، أنه كان – صلى الله عليه وسلم – يعين أهله ويساعدهن في شؤون البيت ، وكان لا يكلفهن إلا وسعهن ، ولقد صدقت السيدة عائشة الصديقة ، أم المؤمنين – رضى الله عنه – بوصفها إياه – صلى الله عليه وسلم – :” كان خلقه القرآن” ولقد كان وصفها مطابقاً لما جاء في القرآن الكريم ، حيث وصفه الله تعالى ” وإنك على خُلق عظيم”. مسند أحمد – (50 / 116) رقم (23460)
الموازنة العقلية وضرب الأمثلة : الموازنة العقلية وضرب الأمثلة من الأساليب التي تقرب المعلومات للمتعلم , وتجعله يقبلها عن قناعة واقتناع , فحينما جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم – يطلب منه أن يأذن له في الزنا ! لم يعنفه , بل قال له : أترضاه لأمك , لأختك , لزوجك …. حتى جعله يرفض من تلقاء نفسه الخطأ والخطيئة وأحيانا كان يضرب الأمثلة ويخط الخطوط وكلها أساليب يحتاج إلیها المربون والمعلمون الآن , حتى ينشئوا جيلا صالحاً تسعد به الأمة , وتزهو به علي باقي الأمم .
ختاماًَ نود أن نُذكِّر القارئ الكريم بأن شمائل النبي – صلى الله عليه وسلم – كثيرة يعجز المرء عن حصرها ، فعلینا أن نحاول بقدر الإمكان بأن نتأسى بها ، ونجعلها ديدننا في الحل والترحال ، بل نجعلها دستور حياتنا كلها ، إمتثالاً لقول الله تعالى :”قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ” (الأنعام : ۱۶۲۔۱۶۳)
ولا ريب أن محبة الرسول – صلى الله عليه وسلم – تكمن في اتباعه واقتفاء أثره :” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”(آل عمران : ۳۱)
فنسأل البارئ في علاه أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
 

جواب دیں

آپ کا ای میل ایڈریس شائع نہیں کیا جائے گا۔ ضروری خانوں کو * سے نشان زد کیا گیا ہے