الحمد للہ رب العالمین والصلاۃ والسلام علی سید الأنبیاء والمرسلین أما بعد :
فمن باب التواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى أردت أن أذكر نفسي وإخواني المسلمين بما ورد في رجب رغبة في البيان وأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالتبليغ لدينه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فلا تقبل عبادة من العبادات إلَّا إذا كانت خالصة لله عز وجل صوابًا أي باتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم وقد بين الله عز وجل بقوله: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].
التعريف بشهر رجب
شهر رجب هو الشهر السابع من شهور السنة الهجرية النبوية وهو أحد الأشهر الحرم التي قال الله عز وجل فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:36].
وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حُرُم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان.(البخاري :4662ومسلم :1679)
هل لشهر رجب مزية على غيره من الشهور؟
قال ابن حجر رحمه الله: لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة ا.هـ(تبیین العجب،ص:5۔6)
بعض الاعمال البدعية المنتشرة في شهر رجب
انتشر عند بعض الناس بعض الأعمال البدعية تتعلق بهذا الشهر نذكر منها ما يلي إجمالاً:
1- الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج:
يحتفل بعض المسلمين بالإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب على اعتبار أنه ﷺ أُسرِيَ به في هذه الليلة، والواقع أنه لم يثبت كون هذه الليلة هي التي أُسرِيَ به ﷺ فيها.
أذکر فی الأسطر التالیۃ بعض أقوال العلماء التی تتعلق باحتفال بلیلۃ الإسراء والمعراج وأنہا من الأعمال البدعية التی لا علاقۃ لہا بالدین.
قال ابن رجب رحمه الله: وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره(لطائف المعارف،ص:290)
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأتِ في الأحاديث الصحيحة تعيينها، لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي ﷺ عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها… ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها مشروعًا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة إما بالقول وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة إلينا.(مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1/183)
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: فأما ليلة السابع والعشرين من رجب فإن الناس يدّعون أنها ليلة المعراج التي عرج بالرسول صلى الله عليه وسلم فيها إلى الله عز وجل وهذا لم يثبت من الناحية التاريخية، وكل شيء لم يثبت فهو باطل (مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين (3/297)
وقال أیضاً في موضع آخر: ثم على تقدير ثبوت أن ليلة المعراج ليلة السابع والعشرين من رجب فإنه لا يجوز لنا أن نحدث فيها شيئًا من شعائر الأعياد أو شيئًا من العبادات؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي ﷺ وأصحابه، فإذا كان لم يثبت عمن عُرج به، ولم يثبت عن أصحابه الذي هم أولى الناس به، وهم أشد الناس حرصًا على سنته وشريعته، فكيف يجوز لنا أن نحدث ما لم يكن على عهد النبي ﷺ في تعظيمها شيء، وفي إحيائها!(مجموع فتاوى ابن عثيمين (2/297)
مما سبق يتبين أن تخصيص ليلة السابع والعشرين من رجب باحتفال يعود كل عام، يلحقها بالأعياد المحدثة، التي لا دليل عليها من كتاب ولا سنة، ولهذا لم يفعل ذلك السلف، ولا عرفت عنهم، ولا تحدثوا عنها (الأعياد المحدثة وموقف الإسلام منها (ص:208)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية، كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلوها، والله سبحانه وتعالى أعلم (مجموع الفتاوى (25/298)
وقال ابن النحاس رحمه الله: وكل ذلك [ومنه الاحتفال بالإسراء والمعراج] بدع عظيمة في الدين، ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين، مع ما في ذلك من الإسراف في الوقيد، والتبذير وإضاعة المال(تنبيه الغافلين (ص:330)
وقال الشقيري رحمه الله: وقراءة قصة المعراج، والاحتفال لها في ليلة السابع والعشرين من رجب بدعة(السنن والمبتدعات (ص:131)
وسئل السيد محمد رشيد رضا عن الاحتفال بليلة المعراج، وما فيه من إيقاد السرج والأغاني فأجاب: لا شك في أن ما ذكرتم من البدع، وأنه ليس من شعائر الإسلام في شيء وأما محوه وإبطاله فيراعى فيه الحكمة والموعظة الحسنة، واتقاء الشقاق والتفريق بين المسلمين(فتاوى محمد رشيد رضا (6/2479)
وقال الشيخ على محفوظ رحمه الله: وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتون في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروبًا كثيرة (الإبداع في مضار الابتداع (ص:272)
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: الاحتفال بذكر الإسراء والمعراج أمر باطل، وشيء مبتدع، وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع، وصاحب المقام الأسمى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع الشرائع، وهو الذي وضّح ما يحل وما يحرم، ثم إن خلفاءه الراشدين وأئمة الهدى من الصحابة والتابعين لم يعرف عن أحد منهم أنه احتفل بهذه الذكرى المقصود أن الاحتفال بذكرى (الإسراء والمعراج) بدعة، فلا يجوز، ولا تجوز المشاركة فيه، ولا أوافق على أن تشارك الرابطة فيه لا بإرسال أحد من موظفيها، ولا بإنابة الشيخ القليقلي أو غيره عنها في ذلك(فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/103)
2- تخصيص رجب بالصيام:
من الأمور المبتدعة في شهر رجب: تخصيصه بالصيام، والمخصصين له استندوا إلى أحاديث بعضها ضعيف، وكثير منها موضوع.
3- عتيرة رجب:
العتيرة: هي ذبيحة كانت تذبح للأصنام في العشر الأول من رجب فيصب من دمها على رأسها، وهي من أفعال أهل الجاهلية، وكان بعضهم إذا طلب أمرًا نذر لئن ظفر به ليذبحن من غنمه في رجب كذا وكذا۔(لسان العرب (4/537)، مادة (عتر)
4- صلاة الرغائب:
قال النووي رحمه الله: هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها، وإنكارها على فاعلها(فتاوى الإمام النووي (ص:57)
وقال ابن النحاس رحمه الله: وهي بدعة، الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق المحدثين (تنبيه الغافلين (ص:496)
وقال ابن تيمية رحمه الله: وأما صلاة الرغائب: فلا أصل لها، بل هي محدثة، فلا تستحب، لا جماعة ولا فرادى؛ فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلًا(مجموع الفتاوى (23/132)
5- تخصيص العمرة في رجب:
يحرص بعض الناس على الاعتمار في رجب، اعتقادًا منهم أن للعمرة فيه مزيد مزية، وهذا لا أصل له، فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: إن رسول الله اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب، قالت ـ أي عائشة ـ: يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهدُه، وما اعتمر في رجب قط(صحيح البخاري (1776)
6- الزكاة في رجب:
اعتاد بعض أهل البلدان تخصيص رجب بإخراج الزكاة قال ابن العطار: وما يفعله الناس في هذه الأزمان من إخراج زكاة أموالهم في رجب دون غيره من الأزمان لا أصل له، بل حكم الشرع أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجبًا أو غيره(المساجلة بين العز بن عبد السلام وابن الصلاح (ص:55)
وجوب الالتزام بالسنة:
على الدعاة إلى الله أن يحرصوا على نشر دين الله وأن يلتزموا بالسنة، قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: كان الفقهاء يقولون: لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة (الإبانة الكبرى لابن بطة (1/333)
فيجب عليهم أن يتعلموا السنة، ويعلموها، ويدعون أنفسهم ومن حولهم إلى تطبيقها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد(صحيح مسلم (1718) ولله دَرُ أبي العالية حين قال لبعض أصحابه: تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم، فإن الصراط المستقيم: الإسلام، ولا تنحرفوا عن الصراط المستقيم يمينًا وشمالًا، وعليكم بسنة نبيكم، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين أهلها العداوة والبغضاء(الإبانة الكبرى (1/338)
عن حذيفة رضي الله عنه: يا معشر القراء: استقيموا، فقد سبقتم سبقًا بعيدًا، ولئن أخذتم يمينًا وشمالًا لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا(البدع والنهي عنها، لابن وضاح (ص:10-11)
الخاتمة
إن من الأمور المقررة شرعًا أن العبرة بحسن العمل لا كثرته ولا تنوعه وإنما جاء التذكير في هذه الرسالة وتسطيرها للتركيز على العناية بالكتاب والسنة وما جاء فيهما مما هو مشروع من الأعمال والعبادات والأزمان والأماكن.
ولقد بين لنا ربنا عز وجل بالاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].
وثمرة الاتباع هي الاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].
سائلًا الله عز وجل أن يتقبل منا صالح الأعمال وأن يجعله خالصًا لله متبعًا فيه سنة رسوله صلى الله عليه وسلم راجيًا من الله القبول والسداد والهداية. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

جواب دیں

آپ کا ای میل ایڈریس شائع نہیں کیا جائے گا۔ ضروری خانوں کو * سے نشان زد کیا گیا ہے